فعلا ،تمكن المنتخب الوطني المغربي من الانتصار على المنتخب التنزاني ، بهدفين نظيفين، برسم الجولة السادسة من التصفيات الإفريقية المؤهلة لنهائيات كأس العالم 2026، وأضفنا الى رصيدنا ثلاث نقط لنقترب أكثر من التأهل للمونديال ونحقق بذلك العلامة الكاملة في التصفيات المؤدية للمونديال.
وقد ثابر واجتهد كل لاعب مغربي على أرضية الميدان لكسب النقط الثلاث أمام جمهور مغربي متعطش للانتصار ويرغب في أن يرى منتخبا جديرا باحتلاله الصف الأول في مجموعته ويتفوق تكتيكيا بفضل الترسانة البشرية المتميزة ، التي لم يكمل عقدها إلا اللاعب المتألق على الدوام أشرف حكيمي .
وما أثار إعجابي في المقابلة هو قتالية اللاعبين أمام خصم ،وإن كان من منتخبات الدرجة الثانية في أفريقيا ، إلا أنه اجتهد ليعرقل مسلك منتخبنا نحو الفوز ويصعب عليه المأمورية ،أمام جمهور غفير في مدينة وجدة التي تنفست كرة القدم منذ زمن بعيد قبل أن تقودها الأقدار الى القسم الثاني ،حيث تحتل موقعا متدنيا في جدول ترتيب فرق القسم الثاني من الدوري المغربي .
المقابلة التي أجريناها ضد منتخب تنزانيا أظهرت أن لدينا نخبة تتكون من لاعبين لهم “فطرة كروية متميزة ” و”شخصية البطل” ومفعمون ب”كاريزما” استثنائية ، بالرغم من أنه إذا تحدثنا عن “مجموعة” قد ننقص من قيمة المنتخب ،الذي اعتمد على فردانية اللاعبين ومحاولة كل واحد منهم ، بحماس زائد أحيانا ، الاجتهاد وإظهار ما له من إمكانيات بدون حس المجموعة وبدون أن تكون لنا خطة جماعية محكمة تفكك ألغاز فريق منافس ليس لديه ما يخسره وطموحاته محدودة إلا ماكان من رغبته الجامحة إحراج المغاربة بعقر دارهم .
الفضل في انتصارنا يعود الى لاعبين من الطراز العالي تخبطوا في مجموعة كتب عليها أن تلعب بعشوائية مع الإصرار المتواصل وأحيانا الاعتباطي على اختراق دفاع الخصم من الوسط ،وفي أحيان معدودة الاعتماد على الأجنحة التي كان لها أجر المجتهد الذي لم يصب ،وقد تبين تأثير غياب لاعبين يجيدون الاختراق ،من أمثال إلياس أخوماش وأمين عدلي ،و الى حد ما الحضور الباهت لعبد الصمد الزلزولي الذي يحتاج الى الممارسة بعد أن أصبح يغيب عن التشكيلة الرسمية لمدرب ريال بيتيس مانويل بليغريني لسبب أو لآخر .
أنا شخصيا لا أعرف لماذا نلعب بمهاجم أوسط و نحصر دوره في الدفاع المتقدم ،في الوقت الذي نملك مهاجمين هدافين متألقين في أنديتهم على مستوى البطولة والكؤوس الأوربية ،ولاحظنا أن المهاجم يوسف النصيري لم يتوصل إلا بكرات معدودات ، وهو اللاعب الذي يجيد التحرك داخل مربع العمليات وله ضربات رأسية مميزة ونال ثقة مدربين كبار وأثبتت مقابلات عديدة أنه مهاجم صياد قد يسجل من أنصاف الفرص .ولعل سبب عدم تألق المهاجم الأوسط في المنتخب هو حصر مهامه في الدفاع في النصف الثاني من الملعب وعدم استغلال قدراته بشكل أمثل .
وأبانت المقابلة أننا لا نستغل بجدية إمكانيات القذف من بعيد والكرات الثابتة التي تحتاج الى تمرينات خاصة ،ونحن ندري أن المنتخبات الأفريقية وهي تواجه منتخبنا الوطني تركن للدفاع ،ألم يكن من الأجدر أن نستعمل هذا السلاح التكتيكي الذي أصبح القوة الضاربة لكثير من الفرق العالمية ونحن نملك لاعبين لهم مقومات خاصة قد تسعفنا في هذه الكرات .
أنا شخصيا لا أدري لماذا قرر وليد الركراكي أن يجري تدريباته الأخيرة بعيدا عن “تطفل الصحافة” ، لعلي به كان يعد خطة جهنمية كانت ستركع الخصم منذ الدقائق الأولى ،كما لا أدري لماذا أصر على اللعب بالطريقة نفسها التي لعب بها المنتخب في مواجهة منتخب النيجر ،وهو الذي لعب بخطة دفاعية شبيهة بخطة منتخب تنزانيا ،رغم أن هذا الأخير كانت له “الجرأة” ليباغث منتخبنا الوطني بهجمات مضادة كادت أن تحقق مرادها لولا “سوء طالعهم” .
الطريقة التي لعب بها المنتخب المغربي كلاسيكية تماما بمفهومها السلبي ،ومن السهل فك رموزها حتى وإن لم تكن من جهابذة وعباقرة المدربين، في الوقت الذي نعتمد على انطلاقات بطيئة من الدفاع الى الهجوم عبر اللاعب سفيان أمرابط الذي أنهكته على ما بدى “كثرة الاستعمال” دون أن يجد من يتقاسم معه مهمة الربط بين الخطوط وأدواره الدفاعية الشاقة التي عقدتها الهجومات المضادة السريعة .
ما نخشاه هو أننا حين سنواجه فرقا عالمية من الطراز العالي ،بخططها المبدعة وبفردياتها المتميزة ،ستظهر عوراتنا وتبدو لهم سوآتنا ،رغم أننا نمتلك لاعبين من الصنف الأول من لاعبي العالم فرضت عليهم “العشوائية الجماعية ” التي تحتاج الى تقويم المدرب ،وهذه هي مهمته الأولى ، وليس الصراخ من خارج المستطيل الأخضر وتكرار كلمة “يالاه” بجميع لغات العالم .
لا تفوتني الفرصة ،لأشير الى ما أعجبني في مقابلة تنزانيا ،وهو تألق اللاعبين الذين زاولوا ويزاولون في البطولة الوطنية ، رغم سهام الانتقاد التي توجه لهذه البطولة ،ولعل أبرزهم الظهير الأيسر يوسف بلعمري ، الذي كان آخر من التحق بكتيبة وليد الركراكي وقام بدوره كما يلزم بل كانت له لمسات فنية متقنة أنستنا رتابة المقابلة التي كادت تسبب لنا الكآبة.
والى أن نواجه منتخبا آخر ضمن نفس التصفيات لا يسعنا إلا أن نشكر لاعبينا على اجتهادهم المستمر لحفظ ماء وجه كرتنا الوطنية التي تملك كل أسباب التألق ،وندعو الله العلي القدير أن يلهمنا الصبر والسلوان ،ويكتب لنا الخير أينما لعب المنتخب وتجعل كل قضاء تقضيه خيرا ،و اللهم اعطي للاعبينا خير المجتهد المصيب .